--------------------------------------------------------------------------------
تحسست بيدها بطنها المنتفخ ، وتنهدت تنهيدة الخائف من الضياع
لازلت حامل .. كان كابوساً مزعجاً ..
أغمضت عيناها وكأنها تستعيد الآمان من جديد ولازالت تضع يديها على بطنها برفق حاني .. إنك الفرح الذي انتظر
وأسلمت نفسها للخيال ..
هل سيكون شبيهاً بأبيه ( أحمد )
تذكرت ذلك الصباح الزاهي يوم أن قالت لأحمد أنها تشعر بآلالام الحمل لم يكن لديه سيارة اتصل بصديقه جاءه مسرعا وذهبنا إلى المستشفى ..
كان انتظار التحليل طويلا .. ممزوجاً بأمل لؤلؤي يشع من عينا أحمد ، أما هي فقد كانت تقرا القرآن وما أن سمعت النداء .. سحر عبدالله ..
ذهبت تجر خطاها والآمال تسابق خطواتها إلى الدكتورة .. أنت حامل .. لم تصدق يومها ما سمعت .. تقولين حامل .. نعم مبروك
جرت مسرعة نحو أحمد أنا حامل ، كانت الفرحة تشق طريقاً زهرياً من عينا أحمد المتأملة .. احتضنتها عيناه .. شعرت بحنانه الكبير ..
وبدأت رحلة الآمال إنها ثمرة حبنا الأول يا سحر ..
سوف نسميها ذكرى( ذكرى الحب )
سحر في خجل : ذكرى الحب .. ربما .. لا أعلم
انتزعت سحر نفسها من لجة الخيال الذي كانت تعيشه عندما شعرت بدمعة ترقرقت على خديها لقد عاهدت نفسها النسيان فما بالها تعود بحنين جارف لذكرى احمد
تنفست بعمق الحنين أقوى ...
-----
أم أحمد : ما بك يا أحمد أما زلت تذكر تلك العقدة سحر سأزوجك من هي أفضل منها جمالاً وروحاً ..
غص احمد بما قالته أمه لكنه لم يستطع إخراج ذلك كما لم يستطع سابقاً أن يظهر عدم رغبته بالانفصال عن سحر .
دار في خلده ما قالته أفضل منها جمالاً وروحاً ..
جمالاً ربما .. لكن روحاً فلا .. إن لسحر روحا لم تسكن قلب إنسانِ سواها ، إنها المرأة العظيمة التي يولد منها واحدة كل قرن ، وكانت سحر امرأة ذلك القرن
أغلظ شفتيه .. سحر زوجتي
أم احمد : متى ستطلق تلك العقدة طلاقاً بائناً
احمد : حتى تضع حملها طبعاً ..
كان يتمنى أن يدوم حملها سنينا لتدوم له ، لكن أنى ذلك ..
أم أحمد : لا اعلم كيف رضيت لك تلك الفتاة المنغلقة لا تريد أن تخرج من قوقعة المبادئ التي تعيشها وحدها في هذا الزمان كانت تريد أن تجعلك مثلها الحمد لله انك استمعت لنصحي وتركتها ..
ستنجب لك شيخاً صغيراً
وقهقهت يتراءى لي إنه سيولد وفي ذقنه لحية طويلة .
احمد : حسنا أمي ما رأيك أن نذهب للغذاء الآن بدلاً من أكل لحوم الناس .
أم احمد : لا تقل ذلك ذلك أشعر بمرارة لحمها وقسوته
كم بقي لها وتضع حملها
احمد : 6أشهر
أم أحمد : أتمنى أن تمر سريعاً قبل أن تخطب الفتاة التي أردتها لك .
---------
لم يكن لأحمد تلك الشخصية القوية التي تجعله يستطيع أن يبدي برأيه ويصر عليه أمام أهله ، كان يكتم في أعماقه حب سحر ذكرى ابتسامتها ..دموعها .. وأحلامها ..يعيش كل يوم تلك الحرب الطويلة قبل النوم لقد اعتاد النوم بقرب سحر يستمع لشغبها، يشبع كل رغبته من خلال عيناها الناضحتان براءة وحب ثم ينام وقد سمع منها لا تنسى أذكار النوم يا احمد ، تصبح على خير يا حبيبي .
يخفي عن الجميع ذلك الشوق الخانق الذي يسكنه لسحر يخنقه حد الألم ..يقتله حد الموت .
كان سعيداً يذكر منزله الصغير والطفلة الحلوة التي تعيش فيه ، خوفها الرقراق ، حرصها أن يكون عظيماً ، حنانها الدافق الذي لا ينضب لحظة عن العطاء ..
لم يكن يحسب انه سيعيش يوماً بغيرها
----------
أشرقت شمس الشهر التاسع ، وولد من رحم الجمال والحب ، طفلة جميلة تدعى ذكرى ..( ذكرى)
حضر أحمد إلى المستشفى ليراها أخرجتها الممرضة
لم يتمالك نفسه بكى بكاء العاشق المحروم .
إنها عينا سحر بكل تفاصيلها .. سوادها جرأتهما حنانها الصارخ ..
ضمها إلى صدره الملتهب شوقاً ، قبّلها ، ولم يشبع من النظر إلى شفتها .. تمتم إنها سحر الصغيرة
استغربت الممرضة من ذلك الأب لم تكن تعلم شيئاً من أسرار الحكاية
رفع رأسه ليرى تلك الستارة التي تغطي السرير الذي تقطنه سحر
تمنى يقتحم تلك الستارة ويقول لسحر :
حمداً لله على سلامتك
لقد تذكر آلام الحمل التي عاشتها في شهورها الأولى .
احمد : سحر هي الأخرى لم تكن تستطيع الاستغناء عني كم كنت قاسياً عليها هل ستغفر لي قسوتي وظلمي ..
بدأ الاختناق يزداد عليه اضطر لإرجاع ذكرى والعودة للمنزل .
عاد منكسرا حزينا
احمد : أمي لقد رزقت بطفلة
الأم : مبروك هل وضعت حملها أخيرا
الأم : لدينا الآن مرحلة جديدة يا احمد
لم يلتفت ولم ينطق بكلمة ، عينا ذكرى تلاحقه كالظل ، الستارة التي حجزت بينه وبين زوجته تترسم أمامه كالحاجز الحديدي الكبير أمام كل خطوة يحاول خطوها .
حاول الفرار من التفكير عاد إلى نفسه لماذا لا استطيع أن أعيش كما أريد ، مع زوجتي وابنتي ..
ما بها سحر !!
هل سأطلقها لأنها تتمسك بحاجبها ، ولديها مبادئها وأفكارها التي تدور في دائرة إسلامها كما تقول ..هل هذا هو الذنب
-----------
رن جرس الهاتف
أم أحمد : نعم
كيف حالك
أم أحمد : من المتكلم
أنا أم سحر
أم احمد : أهلاً وسهلاً
أم سحر : كنت أريد أن أسال ما إذا بدا احمد بإجراءات الطلاق فقد تقدم لسحر رجل طيب ونحن موافقون عليه .
أم أحمد : حسنا عما قريب بإذن الله .
أم سحر : نحن بالانتظار .
مع السلامة
أم أحمد : احمد هذه أم سحر
احمد : وماذا تريد
أم احمد : تسأل عن الطلاق وتقول إن شاباً تقدم لسحر وهم موافقون عليها يا لا تعاسة حظه أليس كذلك .
صمت أحمد وصمت العالم الهائج من حوله
أم أحمد : ما بك سيذهب أباك وعمك غداً صباحاً فجراء ما يلزم ، لا تحمل هم شيء تبدو متعباً وعليك أن ترتاح
-------------------
تذكر وعود سحر له كانت الليلة ماطرة وأمام الشاطئ القريب من المنزل .
سحر: لن أتزوج غيرك حتى ولو قدر الله أن تكون وفاتك قبلي .
احمد : لا .. لا ذنب لك لابد لك من رجل يقف بجانبك .
سحر : لن أقبل برجل أقل منك ولا أحد في الدنيا يشابهك .
ابتسم احمد وقال هذا إذا ما كنت ميتاً .
أما إذا أصبت بإعاقة فهل ستذهبين إلى المحكمة تطلبين الطلاق .
سحر : لا سأكون ممرضتك الخاصة العمر كله ما طرفة لي في هذه الدنيا عين ونبض في جسدي قلب .
إنك تستحق الوفاء يا احمد .
سقط احمد مغشياً عليه نقل سريعاً إلى المستشفى لقد أصاب بنوبة قلبية جلس على أثرها ثلاثة أيام في المستشفى .
الأم لم تقف عن البكاء والأب يستدعي كل الأطباء لمعالجته .
وأم سحر تنتظر مراسيم الزواج كما تنتظر مراسيم الطلاق .
امرأة تتسلل إلى غرفة احمد .
تبدأ بقراءة القرآن عليه كان صوتها رخيماً صادقاً يروي الظمآن ، ويحي القلب الذابل .
صوت النبض يعلو ، فتح أحمد عيناه أثر ذلك الصوت الذي استكان له قلبه .
اصطدمت عيناه بعينا سحر الودودتان ..
أحمد : سامحيني يا سحر
لقد كنت الأوفى فعلاً .................